في إحدى الجزر الآسيوية البعيدة التي تشتهر بغاباتها الاستوائية الخضراء وحدائقها الغناء، داخل أحد المتاجر الكبيرة التي تبيع أسماك الزينة و الكائنات البحرية الصغيرة، بدأت هذه القصة داخل إحدى الأحواض الزجاجية الكبيرة للأسماك والسلاحف المائية:
* تلفتت حولها داخل الماء في جزع ، أطلت سلحفاة برأسها الصغير جدا
من الماء ،تنفست بعض الأوكسجين، ألقت نظرة خاطفة على المكان ثم غمست رأسها مرة أخرى في الماء ،وهى ترتجف، نادتها بعض السلاحف أن تقبل و تعبث معهن ببعض الأحجار الملونة التي تزين قاع الصندوق الزجاجي الكبير، هزت رأسها رافضة قبل أن تنتحي ركنا قصيا في آخر الحوض الزجاجي فتلتصق بت فتزعجها برودته ، وتربكها أكثر الصور المتحركة لكائنات غريبة من خلفه يروحون ويجيئون في المتجر، لم تتمالك دموعها فانساب وهى تتساءل: أين أمي؟ كانت بجواري ،صحوت ولم أجدها؟
لاحظت سلحفاة عجوز ارتجافها، فسبحت إليها حتى اقتربت منها قائلة: مآبك يا صغيرتي؟
انكمشت السلحفاة الصغيرة وخافت أكثر، فمدت السلحفاة العجوز طرف يدها، لتتحسس الصغيرة،قائلة: آه مازلت صغيرة جدا،حديثة الولادة أليس كذلك؟
قالت الصغيرة بصوت مرتعش: أين أمي؟
أطلقت العجوز تنهيدة كبيرة ثم قالت:
يا ابنتي ، أنا أكثر منك خبرة، ولى في هذا المكان الضيق، بضعة شهور، لقد جئت لت كما يبدو لي من بحيرة الصدى، فهي موطن كبير للسلاحف المائية ذات العنق الأحمر، لابد أن الصياد قد أختار لشبكته السلاحف الصغيرة كما يروق له عادة ، وترك السلاحف الكبيرة في البحيرة لتنتج المزيد من السلاحف الصغيرة، فالأطفال يفضلون شراء السلاحف الأصغر حجما، فلا تتأسى، وأنا هنا كأمك، اقتربت العجوز منها أكثر ولعقت بلسانها الدقيق رأس السلحفاة الصغيرة التي استراحت ،وهدأت قليلا.
نادتها سلاحف صغيرة لأن تنضم إليهم في اللعب.
قالت العجوز: إذهبى يا ابنتي، وافرحي وألعب، هم أيضا بعيدون عن أمهاتهم، لكنهم كما ترين يسبحون ويقفزون، يضحكون ويأكلون الحبوب الجديدة، طعام لذيذ صنع خصيصا لنا في هذا المتجر، وحاولي أن تطرحي حزنك جانبا، فتلك هي حياتنا، أن نفترق عن أحبائنا ثم نحاول أن نعيش ،لأن الحياة مستمرة، والحزن لا طائل من ورائه، هيا، هيا،إذهبى وإلعبى.
نظرت السلحفاة الصغيرة إلى العجوز وكأنما اقتنعت بحديثها واستراحت لصوتها الحنون الهادئ، فأطاعتها واتجهت للسلاحف الأخرى في الناحية المقابلة من الحوض الزجاجي الكبير لتنضم إليهم، علموها لعبهم، تعلمت كيف تقلب نفسها في المياه دفعة واحدة إلى الخلف، تعلمت كيف تسبح بصدرها الصغير ،كيف تخفض رأسها لأسفل في حين تحرك اليدين والقدمين حركات منتظمة لتدفع بنفسها إلى الأمام.
اعتادت سحلوفة كما أسماها أصدقاؤها الحياة في هذا الحوض الكبير، كانت تلتقي بالعجوز هي وبقية السلاحف لتقص عليهم قبل النوم كيف كانت الحياة في بيئتهم الأولى، بحيرة الصدى ، فهي أكبر بحيرة تزخر بالسلاحف المائية الكبيرة والصغيرة، كم كان ماؤها هادئا عذبا، لا يشوبه إلا هجمات الصيادين من حين لآخر، وتحكى العجوز كيف كانت رؤوس السلاحف الصغيرة والكبيرة تطل من صفحة مياه البحيرة متهللة عندما تسمع أصوات الأطفال القادمون لرؤيتها، وكيف كان مذاق الطعام اللذيذ الذي يقذفه الأولاد إلى السلاحف في بحيرة الصدى، كيف كان الإوز يتسابق معهم ليلتقطها بفيهم الكبيرة ، وتداعبهم الأسماك بأجسامها اللينة المشعة بالنور وكيف كانوا يتأملونها وهى تسير في أسراب وراء بعضها البعض، بألوانها الرمادية أو الخضراء أو الأرجوانية ، ورغم ذلك كانوا نعم الجيران، فلم تشتكِ إحدى السلاحف يوما من إوزة، أو من سمكة.
في الليل سرحت سحلوفة طويلا فيما قالته العجوز، طارت بخيالها إلى بحيرة الصدى، وكائناتها البحرية الجميلة،فكرت أنه ربما كانت أمها هناك، لا تذكر كثيرا عن هذا المكان، كانت مولودة ابنة بضعة أيام عندما أخذتها شبكة الصياد من هناك، ليقذف بتا إلى هذا الحوض الزجاجي الكبير كعادته أول كل أسبوع كما قالت العجوز، صحيح أنها لا تذكر تفاصيل كثيرة عنه،إلا أن اللون الأخضر القوى الغالب على نباتات وأشجار الحديقة التي حول بحيرة الصدى لا يمكن أن تنساه، تذكر جيدا تلك الرائحة، وذلك العبق الجميل الذي كانت تتنسمه كل يوم عندما تطل برأسها من صفحة المياه، تذكرت أن العجوز قد أخبرتها مرة عن حمام البحيرة، التي يدور حولها راقصا، لا يلبس أن يبتعد عنها كثيرا حتى يعود إليها مرفرفا، محلقا، بعد أن يلتقط بعض فتات الخبز الذي يلقيه الأطفال حول البحيرة ،أغمضت عينيها حتى الصباح وهى تحلم ببحيرة الصدى،[left]